حسام السويفي يكتب: 𓉐𓊹𓅨𓂋𓈖𓇾𓄿𓏏𓇾
ما قرأته ليست طلاسم، أو ألغازا، ولكنه عنوان للمقال، الذي كتبته باللغة المصرية القديمة، احتفاء بافتتاح المتحف المصري الكبير، ويُنطق Ḥwt-nṯr wr n tꜣ ʿꜣt،
وترجمته بالعربية الفصحى: المتحف المصري الكبير.. حدث ضخم لدولة عظيمة، حيث إن 𓉐 (ḥwt) = بيت أو مكان، و 𓊹 (nṯr) = إله (ومنها بيت الإله = المعبد أو المتحف)، 𓅨𓂋 (wr) = عظيم أو كبير، و𓈖 (n) = حرف الجر "لـ" أو "من"، 𓇾𓄿𓏏𓇾 (tꜣ ʿꜣt) = الأرض أو الدولة العظيمة (مصر)
تستعد مصر، مهد الحضارة وراعية التاريخ الإنساني، لافتتاح المتحف المصري الكبير، أضخم صرح ثقافي وأثري في العالم، وأحد أهم المشاريع التي تجسد رؤية مصر الحديثة في الجمع بين عبق الماضي وروح المستقبل.
ليس افتتاح المتحف مجرد حدث ثقافي أو أثري، بل إعلان رسمي عن عودة مصر إلى موقعها الطبيعي في مقدمة الأمم، حيث يلتقي التاريخ العريق بالقوة الحديثة لدولة واثقة من نفسها ومن رسالتها الحضارية.
يقع المتحف المصري الكبير عند أقدام الأهرامات، في قلب الجيزة، كأنه امتداد طبيعي للمجد الفرعوني.
تحفة معمارية عالمية تمتد على مساحة تتجاوز ٥٠٠ ألف متر مربع، وتضم أكثر من مئة ألف قطعة أثرية تحكي مسيرة الإنسان المصري منذ فجر التاريخ وحتى العصور اليونانية والرومانية.
لكن ما يجعل هذا المتحف مختلفًا عن غيره، ليس ضخامته فقط، بل فلسفة بنائه التي تمزج بين الأصالة والحداثة؛ حيث يستقبل الزائر بتمثال رمسيس الثاني، رمز القوة والعظمة، ليبدأ رحلة في الزمن عبر ممرات مضيئة بالعلم والجمال.
المتحف المصري الكبير هو ثمرة رؤية استراتيجية مصرية أرادت أن تجعل من الآثار قوة ناعمة تعبّر عن الشخصية الوطنية المصرية في أبهى صورها.
فمصر لم تكن يومًا مجرد دولة تملك آثارًا، بل أم الحضارة التي صنعت التاريخ الإنساني.
ولذلك جاء هذا المشروع ليكون ليس فقط مكانًا للعرض، بل مركزًا عالميًا للبحث والتعليم والتبادل الثقافي، ومنصة تُظهر للعالم كيف تصون مصر ميراثها وتقدّمه بروح علمية راقية.
لقد عمل في هذا المشروع آلاف المهندسين والعلماء والخبراء المصريين، مدفوعين بإحساس وطني عميق، وبقناعة أن بناء المتحف هو بناء لكرامة مصر وصورتها أمام العالم.
وهو ما يفسر دقة التفاصيل، وعبقرية التصميم الذي يفتح أبوابه على أفق الأهرامات، في مشهد يعجز عن وصفه الخيال، كأن الماضي والحاضر يتصافحان في لوحة خالدة.
افتتاح المتحف المصري الكبير يأتي في توقيت بالغ الدلالة، إذ يمثل رسالة إلى العالم بأن مصر لم تعد فقط موطن التاريخ، بل قوة معاصرة قادرة على الحفاظ على تراثها وصناعته من جديد.
إنه حدث يؤكد أن مصر لا تبني المتاحف لتزيين الماضي، بل لتؤكد أنها قادرة على إنتاج الحضارة في كل زمن، وأن قوتها لا تكمن فقط في جيوشها واقتصادها، بل أيضًا في قدرتها على حفظ هويتها وتمجيد إنسانها الأول الذي صنع أول دولة في التاريخ.
وفي الوقت الذي تتغير فيه خرائط القوى العالمية، تبرهن مصر أن الحضارة هي أصدق مظاهر القوة.
فمن يمتلك ذاكرة ممتدة لسبعة آلاف عام، لا يمكن أن يُهزم أو يُنسى.
والمتحف المصري الكبير هو ذاكرة الأمة المصرية، يربط أجيال الحاضر بمجد الأجداد، ويذكّر العالم بأن هذه الأرض كانت أول من علّم الإنسان كيف يكتب، وكيف يبني، وكيف يخلّد نفسه عبر الحجر والفكر والفن.
لن يكون المتحف المصري الكبير مجرد وجهة سياحية، بل منارة ثقافية عالمية.
سيستقبل ملايين الزوار من مختلف القارات، ليشهدوا على عبقرية المصري القديم.



